الاثنين، 2 أبريل 2012

(بورتريه ) الإماراتي مبارك بروك الدرمكي بطل العالم في البولينغ يتحدى الإعاقة ويحقق التميز


بقلم: فوزية عزاب

بابتسامة لا تفارق محياه، استقبلنا عند باب مركز العين للرعايا والتأهيل، كان يردد عبارات ترحيب لم نفهمها للوهلة الأولى لصعوبة النطق لديه. لقد كان أول الملتحقين بمركز العين للرعايا والتأهيل منذ تأسيسه عام 1999 وهو الآن ذو الثالثة والعشرين ربيعا يخطو بخطوات ثابتة نحو الاندماج الفعلي في المجتمع إذ أنه وبالرغم من إعاقته الذهنية التي صاحبته منذ الولادة استطاع أن يصبح بطل العالم في البولينغ منذ عام 2001، إنه الإماراتي مبارك بروك الدرمكي.


بطل رغم الإعاقة

"لما أروح الأردن سأفوز بالبطولة" عبارات كان يرددها بين الفينة والأخرى، حلم يريد مبارك أن يحققه خلال هذه السنة وهو الفوز بالأولمبياد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي من المقرر أن تنظم في الأردن.

يعاني مبارك من إعاقة ذهنية، يشخصها الدكتور أحمد السيد مدير مركز العين للرعايا والتأهيل قائلا:"كانت لديه اضطرابات سلوكية تمكنه من عدم اكتساب بعض المهارات حيث لم يكن يستطيع التحكم في سلوكه" إلا أن ذلك كان تحديا له ليصبح شخصا مندمجا في المجتمع فيما بعد.

منذ دخوله المركز،أخذ مبارك يتعلم كيفية التعامل مع الناس، وكيف يضبط سلوكه ويتحكم فيه، اكتسب مهارات أهلته لأن يصبح بطل العالم في البولينغ وعضوا أساسيا في منتخب الإمارات لذوي الاحتياجات الخاصة. يضيف الدكتور أحمد"أول موهبة رياضية اكتشفناها لدى مبارك هي تميزه في لعب كرة السلة،إلا أن اهتمامه أيضا بالبولينغ كان قد ظهر بعد أسبوع فقط من اكتشافه للعبة وتدربه عليها".

كانت سنة 2001 الانطلاقة الاحترافية لمبارك في رياضة البولينغ، فبدأ يذهب يوميا للتدريب خارج المركز وفي نادي العين للمعاقين لصقل موهبته، مما جعله يحقق إنجازات في مختلف الألعاب الرياضية الفردية والجماعية، حيث فاز سنة 2010 بالميدالية الذهبية في الأولمبياد الذي أقيم بسوريا، وكان آخر التتويجات العام الماضي باليونان حيث حقق مبارك فوزا كبيرا بحصوله على الميدالية الذهبية فردي والفضية زوجي في رياضة البولينغ.

وفي عام 2004 حقق مبارك إنجازا آخر على صعيد كرة السلة حيث مثل الدولة في البطولة التي أقيمت في دبي وأبو ظبي ناهيك عن الميداليات العديدة التي حصدها على صعيد المنافسات المحلية. إنجازات جعلت من مبارك بطلا من نوع خاص تزين خزانته الميداليات والكؤوس التي فاز بها والتي جعلته مصمما عند جلوسنا للحديث معه أن يعرفنا عليها وعن تواريخها التي يحفظها عن ظهر قلبن كيف لا وهو من رتبها ورصها بشكل دقيق يبرز الميداليات الدولية أولا تليها المحلية.

الطالب المتميز

لم تمنع الإعاقة الذهنية مبارك من أن يلتحق داخل المركز بمختلف الأوراش، والتي حرص الدكتور أحمد السيد على جعله من الطلبة الرئيسيين فيها لأنه يؤمن بقدرته على أن يصبح شخصا قادرا على الاندماج في المجتمع.

مبارك الطالب لا يختلف عن مبارك البطل العالمي، مجتهد ومطيع حسب شهادة المدرسين داخل الفصل، يستوعب كل ما يقال له رغم صعوبة النطق والمرتبطة أساسا بإعاقته الذهنية، إذ أصبح باستطاعته الربط بين الحروف وكتابتها وقراءة الكلمات أيضا، يقول دفاع الحجلي مدرس التربية الفنية بالمركز:"إن مبارك طالب مجتهد فخلال فترة وجيزة أصبح بإمكانه الرسم والتلوين الدقيق إذ يقوم بتقطيع الرسومات على شكل خطوط متساوية ويلونها بشكل متميز، في البداية لم يتعود على جو الفصل لكن فيما بعد أصبح منسجما وأكثر استجابة ."

سألنا مبارك عن مدى حبه للأعمال اليدوية داخل المركز فكانت إجابته :"أتعلم تقطيع الخشب" ، جملة مقتضبة تعكس -حسب مدرس التأهيل المهني بالمركز موسى عبد الشافعي- مدى حب مبارك للعمل داخل الورشة إذ يعتبره من الطلبة القابلين للاندماج في سوق الشغل نظرا لسهولة استيعابه وعمله في ورشة النجارة المتقن، يضيف موسى "أمثال مبارك كثيرون يتعلمون بسهولة ويقومون بأعمال يدوية كأي شخص سوي، لدى نتمنى وننادي بتسهيل اندماجهم في المجتمع وتوفير فرص عمل لهم تبدأ بالمتابعة والتأطير النفسي والمهني وتنتهي بتحقيق الذات".

مبارك ..صديق الجميع

إقامة مبارك الدائمة داخل مركز العين للرعايا والتأهيل، جعلت منه صديقا للجميع بدءا بالطلبة والمدرسين، وصولا إلى مدير المركز، وكذا أولياء الطلبة.

بابتسامته المعهودة يستقبل طلبات زملائه ويساعدهم، وبصدر رحب يقوم بأعمال تطوعية داخل المركز. يقول مبارك بكلام متقطع:"الصبح أروح المدرسة، العصر أذهب لنادي العين، وأرجع إلى السكن المسا، أغير ملابسي أصلي وأتناول العشاء" يسكت لحظة تم يستأنف حديثه " أتعشى بالبطاطس والكيتشوب وأنام واليوم سوف آكل البيتزا..." عبارات بريئة وصادقة تعكس صدق مبارك في التعامل مع جميع العاملين في المركز، حيث تقول ميرفت عطوة مشرفة القسم الداخلي بالمركز:"ولدنا مبارك متعاون مع الجميع، يساعد في المطبخ، وفي توزيع الأكل على الطلبة، اجتماعي بطبعه ولا يتردد في استقبال الضيوف وأهل الطلبة ويعرفهم بنفسه، الحمد لله لأنه وصل لهذا المستوى بجهد كبير".

يصفه الجميع بالصديق الوفي ويرافق المدرسين أثناء التسوق وفي قيامهم بالزيارات الخاصة حيث يعتبره مدرسه موسى عبد الشافعي صديقا له وليس طالبا. أما مدير المركز فيشيد بهدوئه وحسن انصاته قائلا:"مبارك لا يتسبب في أي مشكلة إنه أخ للطلبة وحريص على إيقاظ الجميع لصلاة الفجر، عدا عن حرصه الدائم لأداء الصلوات في وقتها، وأحيانا كثيرة يذهب إلى المسجد خارج المركز".

قصة مبارك البطل الإماراتي المعاق، رغم أننا لم نسمعها منه لعدم قدرته على الكلام وترتيب الأفكار، لكننا ترجمناها من خلال المحيط الذي يعيش فيه والأشخاص الذين يدورون في فلكه مؤكدين وبإجماع على أن مبارك الدرمكي يتميز بمواهب كثيرة تحدت داخله الإنسان المعاق وصنعت آخر كله عزم على أن يثبت للمجتمع أنه إنسان سوي يمكنه أن يعيش ويتألق ويحقق ما عجز الأسوياء عن تحقيقه.





هناك تعليقان (2):