الثلاثاء، 25 نوفمبر 2008

العنف ضد النساء جحيم يطارد المرأة ويهدد استقرار المجتمع


تعتبر ظاهرة العنف ضد المرأة من المظاهر الهمجية والجاهلية الحاكمة في العصور الغابرة و التي هي عالقة ومترسخة في النفس البشرية. العنف ضد النساء لا يختص بفئة معينة أو ثقافة خاصة أو جنس محدد، وإنما يشمل كافة الثقافات والدول المتقدمة منها أو ما تسمى بالدول النامية أو دول العالم الثالث
ويعتبر اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الذي يصادف يوم 25 نونبر من كل سنة محطة سنوية لتقييم حجم هذه الظاهرة وخطورتها على المجتمع
في المغرب الإحصائيات تشير إلى الارتفاع المتزايد لأعداد النساء ضحايا العنف بمختلف أشكاله. إذ بلغت نسبة الاعتداءات الجسدية عليهن نحو 22% من قضايا العنف الحاصلة بالمغرب بشكل عام خلال سنة 2007 . ولتقريب القارئ من وضعية النساء المعنفات زرنا مركز نجدة للنساء ضحايا العنف بالرباط والتقت ببعض الحالات عبرن كلهن بصوت واحد عن مدى معاناتهن النفسية والجسدية جراء العنف الممارس عليهن.

اغتصاب وحشي والمتهمان خارج القضبان
ليلى 23 سنة من مدينة تازة تعرضت في سن 18 إلى عملية اغتصاب من طرف شخصين الأول كان صديقها ، استغل صغر سنها وعدم تجربتها في الحياة وأوهمها بأنه سيتزوج بها اطمأنت ليلى لصراحته وسلمت له نفسها على طابق من ذهب وبعد أن اكتشفت أنها حامل في شهرها الثالث واجهته بالحقيقة وطلبت منه أن يتزوج بها في أسرع وقت حتى يصحح ما أفسده. " لقد استغل ثقتي العمياء فيه وأقنعني بأن أذهب معه للقيام بعملية إجهاض في مدينة فاس بعد ذلك سيسهل عليه طلبي للزواج، كنت مخيرة بين أمرين أحلاهما مر، إما القيام بعملية إجهاض والمخاطرة بحياتي ، وبين أن يفتضح أمري داخل أسرتي، فاستسلمت لرغبته" تحكي ليلى وعلامات الحزن بادية على محياها جعلتها تبدو وكأنها في سن أكبر من عمرها . لم تنتهي قصة ليلى بعد فبمجرد ما طلبت من صديقها الزواج بعد عملية الإجهاض تعلل لها بأنه ليس مستعدا الآن وأوهمها بأنه سيوفر لها فرصة السفر إلى الضفة الأخرى والعيش هناك وهو الحل الأنسب لها، اقتنعت بفكرته ضانة أنها الخلاص من جحيم العار " قلت لأسرتي أنني ذاهبة عند جدي للبادية وحملت بعض ملابسي وذهبت معه إلى منزل أحد أصدقائه في مكان بعيد عن المدينة، وقال لي حينها أنه سيتركني هناك حتى يحضر لي النقود اللازمة لسفري لإسبانيا وسيعود بعد يوم أو يومين" تضيف ليلى وهي تصف أسود أيام حياتها فاليوم أصبح أسبوع والأسبوع سار أزيد من 20 يوما وهي محتجزة في ذلك المنزل تنتظر مجيء صديقها ليخلصها من مخالب وحش آخر تركها عنده تقول ليلى " طيلة هذه المدة وأنا محتجزة عند صديقه الذي كان هو الآخر يمارس معي الجنس بالقوة ويضربني إن حاولت المقاومة كما كان يضع لي مادة مخدرة في الأكل حتى لا أقاوم اغتصابه الوحشي والمتكرر " استغلت ليلى فرصة ذهابه ذات صباح إلى المرحاض حيت نسي أن يكبلها فهربت وشقت طريقها بصعوبة إلى أن وصلت إلى منزلها.وبعد أن روت ما وقع لوالدها ذهبت رفقته إلى قسم الشرطة لتقديم شكاية ضد صديقها وصاحب المنزل اللذان اتهمتهما بالاغتصاب والاحتجاز والتعنيف.
بعد لجوء ليلى للقضاء لم تجد من يقف إلى جانبها بعد أن تخلت عنها أسرتها متهمة إياها بجلب العار للعائلة وطردتها من المنزل، أما المتهمين فلم يقتص منهما القضاء وحكم عليهما ابتدائيا بالبراءة مما نسب إليهما ليتم استئناف الحكم الذي استقر على بثلاث سنوات حبسا نافدا مع الغرامة في حق الشخص الذي احتجزها في منزله وبسنتين حبسا نافذا لصديق ليلى بتهمة المشاركة في الاحتجاز مع الغرامة، ولم يتم توجيه تهمة الاغتصاب لأي منهما.
منذ سنة 2004 إلى اليوم تقول ليلى لم يتم تنفيذ الحكم في حق المتهمين فهي تراهم صباح مساء يتمتعون بالحرية التامة من دون أن تعرف سبب عدم تنفيذ الحكم عليهما، ولم تجد من ينصفها ويثأر لها إلى أن استقر بها الحال بالرباط في إحدى مراكز النجدة للنساء ضحايا العنف.

الضرب والجرح بعد 16 سنة من الزواج
لم تكن فاطمة البالغة من العمر 34 سنة تظن يوما أن مسار 16 سنة من زواج أثمر عن 4 أبناء سيكون مآله الفشل والطريق المسدود، منذ زواجها ب (ك.م) البالغ من العمر 40 سنة كانت هي التي تتحمل جميع أعباء العائلة بما فيها مصاريف تربية ودراسة وتطبيب الأبناء الأربعة، فرغم اشتغال زوجها في النجارة كان دائما يتعلل بعدم مقدرته على التكفل باحتياجات العائلة، لتضطر إلى جعل راتبها من عملها في إحدى مصانع النسيج بسلا والذي لا يتجاوز 1800 درهم السلاح الوحيد في وجه تقلبات الزمن، "لقد وافقت أن أقتسم مع زوجي مشاكل الحياة الزوجية، ليجمعنا بيت متكون من غرفة واحدة ومطبخ وحمام بمنزل والديه نعيش فيه رفقة أبنائنا الستة منذ 16 سنة. لم أشتكي يوما من هذه الوضعية بقيت صابرة طوال هذه المدة إلى أن طفح الكيل" تحكي فاطمة وهي تبكي عن الوضعية التي آلت إليها بعد أن قررت ترك عملها ووضعت زوجها أمام الأمر الواقع مطالبة إياه بتحمل أعباء أسرة هو المسؤول الأول عن مصاريفها. لم يتقبل الزوج طلب فاطمة وقرر أن يتركها وأبنائها ويذهب إلى العيش مع أبويه وإخوته الذين يقطنون في نفس المنزل لمدة تفوق الشهر، من دون أن يسأل عن حاجيات أبنائه خاصة الإبن الأصغر الذي لازال رضيعا "تركني وأبنائي لا نملك قوت يوم واحد اضطررنا إلى طرق باب الجيران ليقدموا لنا قطعة خبز نسد بها رمقنا " تضيف فاطمة وعلامات الأسى لا تفارق محياها الذي بدت عليه أثار العنف الذي تعرضت إليه من طرف زوجها فبعد أن خيرته بين النفقة على أسرته أو أن يطلقها بدأ يضربها بعنف أمام أعين الأبناء وبمشاركة عائلة الزوج الذين وصفوها بالعاهرة وشككوا في بنوة زوجها لأبنائها الأربعة " لقد شجعوه على ضربي بل ضربوني هم أيضا واستغلوا بعدي عن أهلي وقصر يد أبي وأمي لأجد نفسي الآن مطالبة بتقديم طلب الطلاق للشقاق والنفقة حتى أتخلص من جحيم زوجي وظلم عائلته لي" كانت هذه آخر كلمة قالتها لنا فاطمة متمنية أن ينصفها القضاء.

العنف الجنسي بين الأزواج
حكاية هدى ليست كفاطمة أو ليلى اختلف سيناريو الأحداث رغم أن النتيجة كانت واحدة وهي العنف ولا شيء غيره، تحكي لنا هدى البالغة من العمر 28 سنة وتعمل كتاجرة عن قصتها مع زوج يعمل عسكري وقد تجاوز عقده الثالث بقليل، زواج هدى ب(ج.د) لم يكن متكافئا منذ البداية فهي حاصلة على الإجازة كما أن عملها في التجارة يدر عليها دخلا مهما أما الزوج فلم يتجاوز مستوى الابتدائي وبالتالي كان ذلك عائقا في خلق جو من التفاهم بينهما، "لقد أجبرت على الزواج به من طرف والدي فدفعت ثمن ذلك غاليا " تقول هدى والدمعة لا تفارقها وتضيف " فمند اليوم الأول لزواجنا اكتشفت وحشيته في ممارسة الجنس كان يجبرني على ذلك وبطريقة عنيفة يعجز لساني عن وصفها أقاوم تم أقاوم لكن في نهاية المطاف كنت أستسلم فهو أقوى مني جسمانيا. ذات يوم قام بوضع مخدر لي في الطعام حتى لا أقاومه رغم أنني كنت أحس بكل ما يفعله لكن قواي كانت لا تستطيع الوقوف في وجهه". لم تقف هدى مكتوفة الأيدي أمام ما يقع لها من عنف جنسي بشكل متكرر كلما كان يأتي زوجها من العمل ويمكث معها فقط أسبوع ليعود بعد ذلك إلى ثكنته بكرسيف. بل كانت تذهب في كل مرة يمارس عليها العنف بهذه الطريقة إلى الطبيب حتى تقيم الحجة عليه.إلى أنها رغم ذلك لم تستطع إخبار عائلتها بما يقع لها من طرف هذا الزوج فكانت تكتفي فقط بأن تطلب منهم أن تنفصل عنه لكن والدها كان يرفض وبشدة " حنا ما عندناش المرة اللّي كترجع مطلقة لدار باها " هذه هي العبارات التي كان يجيب بها والد هدى ابنته في كل مرة تشتكي له من زوجها من دون أن تذكر ما يمارس عليها خجلا وخوفا من رد فعلهم.
مرت أربع سنوات على زواج هدى، ولازال سلاحها الوحيد هو الصبر نظرا لأنها لا تتوفر على مسكن خاص وهي التي تعيل أسرتها مما اضطرها إلى كتمان معاناتها النفسية والجسدية مع زوج لا يكلف نفسه عناء السؤال عليها طيلة مدة غيابه، لكنه في المقابل يجعلها تعيش في جحيم خلال عودته إلى المنزل.

تزايد حالات العنف ضد النساء في غياب لقانون خاص يواجه الظاهرة

إذا كانت حكايات النساء المعنفات تظهر بشكل واضح واقع الحال فإن الأرقام الرسمية تؤكد هذا الواقع بل وتدق ناقوس الخطر للتعجيل بحلول أنجع للوقوف في وجه هذه الظاهرة. فحسب تقرير صادر عن"الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة" يمثل الاعتداء الجسدي على المرأة نسبة نحو 30% من قضايا العنف الحاصلة بالمغرب خلال سنة 2007. ويشمل هذا الصنف من العنف، وفق التقرير، الضرب والجرح والحرق ومحاولة القتل، والقتل، والتبول على المرأة، وتعريتها من اللباس ومنعها من النوم. وسجلت إحصائيات سابقة لوزارة العدل المغربية ارتفاعا كبيرا في قضايا الضرب والجرح المفضي إلى الموت، من دون نية إحداثه، إذ تجاوزت 290%. وارتفعت نسبة العنف الناتج عنه عجز مؤقت إلى 541%، ثم الضرب والجرح المفضي إلى عاهة مستديمة بنسبة 242%.
وجاء في تقرير الجمعية النسائية المغربية أن العنف من طرف الزوج أو الخطيب أو "الصديق" أو الطليق يمثل أكثر من 92% من حالات العنف ضد النساء، معظمها من قبل الزوج، فيما تعود نسبة المعتدين الباقين إلى المدير أو الجار أو حالات مشابهة.
وفي تقرير نشرته إحدى الصحف الوطنية. جاء فيه أن المرأة المغربية برغم التطورات الواضحة التي حصلت في المجتمع ما تزال الضحية رقم واحد بسبب العنف عليها، وأشار التقرير إلى أن أكبر أسباب العنف هو الفقر والأمية خاصة في المناطق القروية المعزولة عن المدينة، مما يعني أن الضحية نفسها تجهل أن القانون يقف إلى جانبها إن هي بلغت على الجاني، إلا أن الموروث الثقافي ـ كما يضيف التقرير ـ يجعل المرأة في خوف دائم حتى لو دافعت عن نفسها تظل خائفة من ردة الفعل
وبالرغم من أن العنف المبني على النوع الاجتماعي يطال النساء والفتيات من كل الأعمار والفئات الاجتماعية والوضع الاقتصادي، ويتم في كل الفضاءات الخاصة والعامي، فإن النساء الفقيرات والأميات ما بين14 و68 سنة هن الأكثر تضررا من كل أشكال العنف حسب تقرير لاتحاد العمل النسائي، ويشمل العنف الزوجي والاقتصادي والمتمثل في النفقة وإهمال الأسرة والذي يأتي في صدارة أنواع العنف ضد الزوجات بنسبة 37 في المائة، مما يطرح باستعجال إخراج الصندوق الوطني للنفقة حسب نفس التقرير.
ويعتبر الدكتور أنس الوالي الأخصائي النفسي إن ضرب الزوج لزوجته وتعنيفها لدرجة إيذائها جسديا أو قتلها، عائد إلى عدم وعي الزوج بدوره بداخل بيته ووسط عائلته، وأيضا إلى التأويل الخاطئ لضرب الزوجة في الإسلام. مضيفا إلى أن العامل الذي يمكن اعتباره أساسي أيضا هو تعاطي الأزواج للمخدرات حيث أن أغلب حالات قتل الزوجة أو الضرب المفضي إلى الموت يكون وراءها التخدير أو الخمر. هذا بالإضافة، إلى حالة الهيجان والغضب العنيف الذي يصيب عدد من الرجال، وأيضا الأمراض النفسية المنتشرة، حيث يعاني 14 مليون مغربي من أمراض نفسية معينة، من بينهم 8 ملايين يعانون من الاكتئاب، مضيفا أن الزوج المصاب مثلا بداء "الرهاب الاجتماعي" يغلب عليه ميول حادة لتعاطي الخمر، وحين يتجاوز "الحدود" ينقلب سلوكه إلى عنف.
وبين مطرقة الظروف النفسية والاجتماعية للمرأة المعنفة، وسندان عدم الوعي لدى الأزواج بخطورة هذه الظاهرة على كيان الأسرة تطالب الجمعيات النسائية بحق النساء المُعنفات في ضمان المساعدة الاجتماعية، وأن تتحمل الدولة مسؤوليتها إزاءهن وأطفالهن في العلاج الصحي والنفسي، فضلا عن إصدار قانون للمساعدة الاجتماعية وتوفير مراكز إيواء حكومية لهن ولأطفالهن عند الحاجة






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق