الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

عندما يتحول التوحد من إعاقة إلى ذكاء وإبداع


ابنك معاق.. هل هذه خطيئة عليك التستر عليها؟ أم حقيقة يجب مواجهتها..؟  أسئلة وأخرى تطرح يوميا على أولياء أمور أصيب أبناؤهم بمرض التوحد.. فأصبحوا عبئا عليهم وعلى المجتمع ..
 إن النمو السريع لهذا الاضطراب ملفت للنظر فجميع الدراسات تقدر نسبة المصابين به اعتماداً على إحصائيات مركز التحكم بالأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية بـوجود إصابة واحدة لكل 88 حالة، كما يلاحظ أن نسبة الانتشار ثابتة في معظم دول العالم. وتسجل أكثر الحالات بدول الخليج ، حيث ارتفعت النسبة المعلنة  بالدولة بين الأطفال حديثي الولادة لتكون حالة بين كل 88 مولودًا، بنسبة 1.1٪ من مجموع المواليد، بعد أن كانت حالة بين كل 110 مواليد، بنسبة 0.9٪.
فهل نترك الحبل على الغارب أم نبدأ التصدي لهذه الظاهرة المقلقة التي تهدد شريحة واسعة من أبناء وبنات المجتمع؟ وهل الإصابة بالتوحد تعني  عزل الطفل والخجل منه أم مساعدته على الاندماج في المجتمع؟ وإلى متى سيظل "التوحدي" رهين المحبسين البيت والمرض، في حين أنه إنسان مبدع بالفطرة؟

طفل التوحد.. ذكاء وقدرات

د. أحمد السيد- مدير عام مركز العين للرعايا والتأهيل
لقد أصبح هناك وعي بمرض التوحد الذي ُيعرَّف  على أنه اضطراب من اضطرابات النمو (اضطراب نمائي) وقد يكون مرتبطا بإعاقة ذهنية وخاصة الحالات الحادة وقد يكون لطفل أكثر ذكاء، ويرجع السبب في زيادة حالات الإصابة بالتوحد داخل الدولة إلى عاملين أساسين هما ضعف التشخيص  وكذا زواج الأقارب من الدرجة الأولى.
 هناك من أطفال التوحد من لديهم قدرات عقلية عليا تفوق الآخرين، كما أن نسبة انتشاره في الذكور أكثر من الإناث ولكن في الإناث أكثر حدة وشدة وعادة ما تكون الذاكرة السمعية أفضل وعادة ما يكون الذاكرة الأدائية أفضل، فهناك من يحفظ القرآن كاملا أو اللحن أو الإيقاع للأغاني أو يقوم بتفكيك جهاز كمبيوتر وإصلاحه وعادة ما يكون الطفل طبيعيا مائة بالمائة إلى عام أو اثنين ثم يصمت مرة واحدة وهو فقدان الآخر الذي لم يتكون لديه وتكون طرق علاجه بتكوين الآخر لديه.
محمد زكي- رسام مبدع
يقول موسى عبد الشافي- أخصائي تأهيل مهني / إن الطالب التوحدي محمد زكي(27 سنة) منذ دخوله المركز قبل عشر سنوات، برزت لديه موهبة الرسم بشكل ملحوظ والتي أخدت تتطور يوما بعد يوم ليصبح اليوم مبدعا بامتياز وبشهادة الكثيرين،  والذي يظهر من خلال رسوماته على الزجاج والرسم على اللوحات الزيتية، وكذا الأعمال الخشبية اليدوية.. ويتميز بقدرته على اختيار الألوان وتنسيقها،  والأهم من ذلك أن جل الأعمال المتعلقة بالديكور التي تخص المركز نعتمد عليه فيها بشكل كبير.. لأنه يتوفر على نظرة فنية متميزة.
ومن خلال مشاركته في الورشات التي ينظمها المركز أثبت لنا محمد أن التوحدي ليس معاقا كما يعتبره البعض وإن كان يتعامل بانطوائية  إلا أنه إذا وجد من يؤطره ويقيم مستوى ذكائه لابد أن يخرج بقدرات خاصة لا تتوفر في غيره من الأسوياء.
وتعتبر حالة محمد زكي يضيف موسى مستقرة عموما وعند عودته إلى بيته فهو يتعامل مع أهله بشكل طبيعي نوعا ما وهنا أريد الإشادة بدور عائلة محمد التي ساعدته بشكل كبير في موهبته...

أحمد الشامسي- موهبة الحفظ وإلقاء الشعر
يعتبر علاء عنايات- أخصائي تربية خاصة أن أحمد الشامسي( 14 سنة) من الطلبة القلائل الموهوبين بالحفظ وإلقاء الشعر.. فمنذ قدومه إلى المركز وهو في سن الثالثة تم التركيز في التعامل مع حالته كباقي حالات التوحد بأسلوب التقييم واكتشاف المواهب، ومه مرور الأعوام بدأت موهبة الحفظ تطهر على أحمد الشامسي الذي لا يتردد في حفظ سور من القرآن الكريم وكذا أحاديث نبوية شريفة، وذلك بالاعتماد على حاسة السمع لأن لديه تأخر نوعا ما في القراءة ونحن نحاول جهدا تحسين مستواه فيها.
ويضيف علاء إن أجمل ما يثير في ملكة الحفظ عند أحمد هي قدرته المتميزة على حفظ قصائد شعرية إماراتية لا سيما في مدح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله.
ولا مجال للمقارنة بينه وبين طفل آخر توحدي فهو اجتماعي بطبعه ويحب الكلام مع الآخرين. فكل واحد يتميز في مجال مختلف عن غيره.

خوف وخجل الأسرة
وعن تعامل الأسر مع أطفال التوحد ذكرت زينب محمد علي مدرسة أشغال فنية يدوية بمركز العين للرعايا والتأهيل عن الآثار النفسية والاجتماعية لاضطراب التوحد أن أسرة الطفل المصاب باضطراب التوحد تتعرض لضغوط نفسية منذ إعلامهم بأن ابنهم طفل ذاتوي (توحدي)، فتصبح الأسرة وخاصة الأم في شك وحيرة من أمره وعندما تعلم بحالته وتشخيصه تتعرض للصدمة، ومشاعر الأسى والحزن، والإنكار أو الرفض، لا تحب أن تسمع بأن ابنها توحدي، تبكي كلما سمعت من المختصين النفسيين، وقد يمتد الأمر إلى الاكتئاب والإحساس بالذنب ولوم الذات، والقلق والخوف والضيق والاستياء الشديد وخيبة الأمل بأن ابنهم لن يتمكن من التواصل الاجتماعي والمشاركة في الأنشطة العادية.
وفي المقابل هناك من الأمهات لا يخجلن من أبنائهن، فهي تكون متفهمة أكثر ومتقبلة لحالة ابنها راضية بقضاء لله وقدره وتكون علاقة الوالدين بابنهما علاقة جيدة، حيث يقدمان له كل ما يستطيعان تقديمه من خدمات وتسجيله في أحسن المراكز مهما كانت التكلفة المادية.

أمهات بين المعاناة والتحدي
أم علي : منذ أن تم إخباري من طرف المختصين أن ابني توحدي أصبت بصدمة .. من الصعب وصف معاناتي، فأنا أجد مشقة في التواصل معه، لا أعرف ماذا يريد؟ أحيانا تمر به ثورة غضب تستمر من ساعتين إلى ثلاث ساعات يصاحبها الضرب والعض والركل، تعبت نفسيتي من حاله ومن نظرة المجتمع من حولي.
 حاولت أن أذهب إلى المراكز المتخصصة لتعليم الأطفال التوحديين، لكن وجدت العلاج مكلفا بشكل لم أكن أتصوره خاصة وأن دخل زوجي لا يسمح بتغطية تكاليف العلاج، كما أن مجموعة كبيرة من المراكز رفضت قبول حالته ،ففي عام واحد أنفقت 75 ألف درها ولم ألحظ أي تحسن، لأن حالة ولدي شديدة، أما غيره من الأطفال ذوي المستويات الأقل حدة في هذا المرض فتكلفتهم تكون أقل نسبيا.
ولم تقف  معاناتي عند هذا الحد ، بل حتى أهلي وهم أقرب الناس لي، قاطعوني، ولم أجد منهم الترحيب، خوفا على أولادهم من عدوى التوحد وفق اعتقادهم، الأمر الذي أجبرني على المكوث في المنزل منذ 4 سنوات ومقاطعة جميع المناسبات والزيارات خوفا على مشاعر ابني.
أم سيف: لم أكن أعرف أن هناك مرضا اسمه التوحد ثم لاحظت أن ابني يختلف في طبيعته عن بقية الأطفال العاديين ، فقررت مراجعة إحدى عيادات التخاطب لمدة سبعة أشهر دون أن أرى أي تحسن إلى أن تم تشخيص حالة سيف بأنه "توحدي" بل حتى أتأكد قمت بإرسال التشخيص إلى أمريكا ليصلني الرد بتأكيد المرض.
وبعد إدخاله لأحد مراكز التوحد في دبي واستمر فيه ست سنوات لاحظت تحسنا واضحا في بعض السلوكيات والممارسات الأساسية كما لمست تعاونا شديدا من المعلمات للأسر وتوجيههم للتعامل السليم مع الأطفال التوحديين. لذلك أدعو جميع الأمهات اللواتي يعيشن ظروفا مثلي أن يتحلين بالصبر والإيمان بالقضاء والقدر والأهم أن يتحدين مرض ابنائهن لتحسين حالتهم وإدماجهم في المجتمع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق