الأحد، 12 فبراير 2017

رفقا بلغتنا العربية لاتدعوا لغة الضاد تذبح في ديارها



تحقيق: فوزية عزاب
نشر في :"مجلة عين الإمارات" 
التعاطي السلبي مع لغتنا العربية أساء إليها وشوهها ، وجعل الكثيرين ينصرفون عنها حتى من أبناء أبجديتها ليركنوا على لغات أخرى تمكنهم من التواصل مع الشريحة الأكبر من أبناء مجتمع الإمارات الذي يحفل بمختلف النحل والجنسيات بلغاتها ولهجاتها المختلفة . الأمر الذي أدى إلى  تراجع مؤشر استخدام لغتنا العربية في ديارها إلى المرتبة الرابعة ضمن عشر لغات مستخدمة في الدولة، كما جاء في تقرير لأحد المراكز البحثية . وكيف للغتنا أن تستعيد كيانها وترد اعتبارها ، إذا لم تعتمد اللغة الأساس في تعاملاتنا اليومية ، وفي المخاطبات الرسمية لمختلف الدوائر والمؤسسات والهيئات ، أمر كان يبدو متعذراً في ظل ماكنا نشاهده من هيمنة لغات أخرى كالأوردو والانجليزية على التواصل بين الناس ، ولكن بعد القرار الذي أصدره مجلس الوزراء بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، باعتماد إنشاء المجلس الاستشاري للغة العربية.. باعتبارها "اللغة الأم" في الدولة ووضعها ضمن مؤشرات الأجندة الوطنية وصولاً للعام  2021صار المتعذر ممكناً بل واجباً.
فماهي أبرز نواحي القصور في التعامل مع لغتنا العربية ، وماهو واجب الأفراد والمؤسسات الوطنية لللمساهمة في الحفاظ على لغة القرآن لغة الضاد التي تجمعنا.هذا مانحاول الإجابة عليه في تحقيقنا التالي:

اللغة ضحية التوفير المادي
تداري اللغة العربية وجهها خجلاً من لافتات نصبت على واجهات بعض المحال التجارية،فقد باتت لغة الضاد رهينة الأيدي الآسيوية التي تتولى كتابتها وتخطيطها دون معرفة أو إلمام بها. كما يصفها  الدكتورأيمن حامد أستاذ مساعد تخصص لغويات في كلية دبي، ويضيف:"  الوضع يزداد سوءً كون الناس أصحاب هذه المحال يفضلون استخدام أسرع وأوفر طريقة وهي الانترنت باللجوء إلى الترجمة عن طريق "غوغل" ،فتأتي الترجمة ركيكة وكأنها بلغة غير لغتنا.
أو تراهم يعتمدون على عرب من عامة الناس غير الدارسين أو الملمين بقواعد اللغة والإملاء والنحو في لغتنا العربية لترجمة  اللوحات الإعلانية والمسميات..
ورغم أن الدولة تصدر بيانات خاصة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية لازال هناك تقصير من طرف بعض الأشخاص والمؤسسات  ما يستدعي تكثيف الجهود لمراقبة هذه الظاهرة ومعاقبة المخالفين.

شماعة التكنولوجيا
وعن مدى مساهمة التكنولوجيا بشكل غير مباشر في تزايد هذه الحالات يعتبر الدكتور سامر زغلول مدير الدراسات العربية والإعلامية في كلية دبي، أنه لا أحد ينكر أن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا ومفرزاتها من بين مسببات ذلك، لكن يبقى السبب المباشر هو عدم الاهتمام باللغة العربية وإعطائها قيمتها من طرف هؤلاء الأشخاص الذين يحاولون التوفير في التكلفة وعدم توظيف مترجمين على حساب جودة الإعلان".
وتعتبر دبي من أكثر الإمارات التي تشهد هذه الظاهرة  ويُرجِع د. أيمن ذلك لكون معظم سكان هذه الإمارة أجانب لا يتكلمون العربية  وهذا مايجعل الاهتمام بها وبترجمتها بالطريقة الصحيحة معطى غير دي أهمية من طرف أصحاب هذه المحال  والإعلانات، متناسين أنهم يتواجدون في بلد عربي ولغة أهل الدار هي العربية".
ويضيف د. أيمن قائلا:"يحضرني هنا موقف حصل معي وأنا في المطعم حيث طلبت قائمة الوجبات و بدأت أختار من بين تلك المترجمة للغة العربية، وحين جاء النادل وهو شاب عربي طلبت منه أن يحضر لي دجاجة وخمس كمبيوترات، استغرب النادل وأجاب أن الطلب غريب وغير متوفر لديهم، لكنني سرعان ما أشهرت في وجهه قائمة الطعام وقلت له إذا لم تكن لديكم هذه الوجبة فلماذا هي موجودة في القائمة؟ وكان المقصود بدجاجة وخمس كمبيوترات دجاجة وخمس قطع ولسوء ترجمتها من الانجليزي  
“chicken and five pieces”
إذْ اعتقد الشخص مرتكب الجريمة اللغوية أن "بيسز" تعني بيسيز" أي كمبيوتر شخصي.

الترجمة لغير أهلها
وبالرجوع إلى دور المترجم يقول محمد أمين العباسي  مترجم قانوني أول بديوان صاحب السمو حاكم دبي  كثرت الطعنات في جسد اللغة العربية .. وكثرت دموعنا حسرةً عليها ..
فكم مرةٍ استوقفتنا لافتات مكتوبة باللغة الإنجليزية وتحتها كلام بلغة عربية هجينة.. كترجمة حرفية مليئة بالأخطاء الفادحة فاقدة للمعنى المطلوب تماماً مايثير حفيظتنا..ومايضايق أكثر أن البعض يصورها لينقلها عبر وسائل التاصل الإجتماعي كوسيلة للتندر والضحك دون انتباه لخطورة تلك الأخطاء على لغتنا وهويتنا العربية. إن هذه الترجمات تعكس مدى الاستهتار بلغة الضاد اللغة الرسمية للدولة.
وعلى الرغم من وجود قوانين تشدد على مراعاة اللغة العربية وعدم تشويهها تستمر هذه الظاهرة في الإنتشار مايستدعي منا عدم الوقوف مكتوفي الأيدي مكتفين بالمشاهدة والاندهاش ولكن الإحساس بالمسؤولية وإننا معنيون بالحفاظ على لغتنا الأم ، كما نحن معنيون بإيصال الصوت للجهات المعنية لمطالبتها بتفعيل القوانين الصادرة في هذا الشأن واتخاذ الإجراءات الجزرية والصارمة في حق المخالفين من أصحاب المحال وإلزامهم بالاستعانة بمكاتب ترجمة معتمدة في كتابة اللافتات أو الملصقات بشكل صحيح..
أعتقد أن الوقت حان لإنشاء مؤسسات مختصة في الترجمة على غرار المؤسسات الخاصة بالعلاقات العامة ،، يتم التعاقد معها من طرف المحال والمؤسسات الإعلانية تسند إليها هذه المهمة .. والاستفادة من المبادرات التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والمتمثلة في إطلاق معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين عن طريق جامعة زايد.. وهو أول معهد سيكون ضمن شبكة من المعاهد، وسيتم التعاون فيه مع الجامعات المتخصصة حول العالم لإيفاد الطلاب والبعثات لتعلم اللغة العربية في الإمارات.
كما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن إنشاء كلية للترجمة تهدف لتخريج المترجمين والذين ستتزايد الحاجة إليهم مع القرارات والتوجيهات الجديدة التي ستعزز مكانة اللغة العربية في المجتمع، وتكرس مكانة  الإمارات كمركز حضاري لترجمة العلوم والمعرفة وحركة التعريب في المنطقة.  

البحث عن المسؤول
نورة عادل- مدير العمليات الإعلامية بلجنة دوري المحترفين- واجهت العديد من الحالات التي تسيء إلى لغة الضاد الأمر الذي تحول إلى معاناة بالنسبة لها تقول :"أتحسر على لغتنا الجميلة، هويتنا العربية عندما أراها تستخدم بهذه الطريقة المسيئة، أحاول دائما البحث عن الشخص المسؤول عن هذه اللوحات، وطالما استفسرت خاصة من المحال  التجارية عمن يقوم بالترجمة، للأسف الرد كان واحداً "لدينا آسيوي يجيد العربية"، رد غريب يصلح فيه المثل القائل "عذر أٌقبح من ذنب". عندما تسند الترجمة لغير أهلها، أو اللغة لغير المتمكنين منها نجد الشوارع والمحال مليئة بجمل و رسائل إعلانية مبهمة، ولغة ركيكة تستفز  غيرتنا على لغتنا ، وتثير ضحكنا من بعض المفارقات المضحكة التي ترد فيها من باب شر البلية مايضحك.
أتمنى أن تكون هناك جهة رقابية على محتوى الإعلانات، ليس فقط من ناحية التراخيص والإجراءات الإدارية، لكن في مجال التدقيق اللغوي والترجمة للتأكد من استخدام الكلمات الصحيحة وفي السياق المناسب. كما أتمنى أن تمد هذه الجهة جسور وقنوات التواصل مع الجمهور، لإبلاغها بأي سوء لاستخدام اللغة العربية من خلال إرسال صورة موثقة وتاريخ ومكان التقاط الصورة قصد تنبيه مستخدمها وإلزامه بتصحيحها".

جبهات "السوشل ميديا"
تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي "فايسبوك وتويتر وأنستغرام" مجموعات تضم أشخاص دفعهم حبهم للغة العربية لتكوين جبهات  لمحاربة ظاهرة تشويه اللغة ، ومن بين هذه الجبهات مجموعة على "الفيس بوك" تحمل  اسم "رفقاً باللغة العربية" أنشأها الإعلامي باسم زين مدير تحرير مجلة "المشاريع الصغيرة والمتوسطة" الذي قال:  "إن بداية فكرة مجموعة "رفقاً باللغة العربية"، ‏كانت خلال عملي في إحدى شركات في دولة الإمارات  ‏‏حيث كنا وزملائي نتبادل داخلياً بعض الأخطاء التي كنا نصادفها بشكل يومي، وهي كثيرة للأسف وعلى سبيل المزاح، ويضيف "قمت بتطوير الفكرة بشكل فردي وأطلقت صفحة "رفقاً باللغة العربية" على ‏فايسبوك وأصبحت ما هي عليه الآن.     
وأشار زين إلى أن الصفحة لاقت إقبالاً كبيراً من أول يوم. "قمت بتجميع الصور بنفسي، وبدأت بإضافة عدد من الزملاء والأصدقاء ‏الذين بادروا إلى إضافة أصدقائهم، فبات الأمر حتى تجاوز عدد الأعضاء 5000 عضواً حتى ‏يومنا هذا. وقد ساهمت وسائل الإعلام أيضاً في الترويج للصفحة ونشاطها، ومنهم من قام بذلك بشكل ‏مباشر كراديو مونتي كارلو الفرنسي، ومنهم من بادر إلى إجراء تحقيقات مكتوبة اعتمادا إلى المادة ‏المتوفرة على الصفحة".
لقد حققت الصفحة بعض ردود الأفعال الخجولة حيت اتصلت بنا شركات معدودة على رؤوس الأصابع وأخبرتنا بإزالة المنشورات الخاصة بها لأنهم قاموا بتصحيحها..  وفي إطار مجهوداتنا المتواضعة للتخفيف من كوارث الترجمة للغة العربية قمنا بالتواصل مع محرك البحث "غوغل" وطلبنا منه المشاركة في تصحيح المحتوى الخاص بالترجمة لديه ومجانا لكن لم نتلقى أي رد.
 مخالفات.. وعقوبات
ولعل العقوبات الرادعة هي من الحلول التي ستردع المخالفين، حيث فرضت مخالفات على اللوحات التي لا تتطابق المواصفات، وفي إمارة الشارقة مثلا تتراوح الغرامة بين 500 إلى 1000 درهم حسب بند المخالفة، والتي تتوزع بدورها بين مخالفات الأخطاء الإملائية وعدم مطابقة الاسم التجاري وعدم الالتزام بحجم الخط وأخيراً عدم الالتزام بقواعد اللغة والتصميم المعتمد، ويأتي تطبيق العقوبة بعد التنبيه، ثم إعطاء مهلة للتعديل، وأخيراً اتخاذ الإجراءات اللازمة بالمخالفة.
أما في إمارة دبي فقد تصل الغرامة إلى 1000 درهم، وتتضاعف إلى 2000 درهم في حال الاستمرار في المخالفة، وذلك بعد إنذار الجهة المخالفة.
 وعن مهام الجهات الرقابية يوضح  وليد الملك، مدير إدارة الرقابة التجارية في دائرة التنمية الاقتصادية في دبي أن إدارة الرقابة التجارية تقوم بمهمة الحملات التفتيشية بشكل دوري على المحال التجارية والتأكد من اللافتات بحيث تكون مطابقة لاشتراطات الدائرة ووفق ما تم الموافقة عليه، وفي حال وجود أية أخطاء لغوية أو اختلاف في اللافتات، سيقوم المفتش المعني بلفت نظر صاحب المحل وإعطائه الإنذار الشفوي، ومن ثم يتم مخالفة المنشأة التجارية بقيمة 2000 درهم في حال لم يستجب، وتتضاعف الغرامة في حالة التكرار إلى أن تصل إلى الإغلاق المؤقت.
وأشار إلى أن بعض المحال تقوم بتركيب لوحات بدون تصاريح من الدائرة، وغالباً ما تكون مخالفة للشروط، ويتم توجيه إنذارات لهم لمراجعة الدائرة وتقديم طلب تصريح صحيح، وفي حالة استمرار المخالفة يتم توقيع غرامات مالية.