الجمعة، 3 أكتوبر 2008

عندما يتحول الزواج إلى صفقة مربحة



بات الزواج الأبيض هاجس العديد من الشباب المغربة الذين يراودهم حلم العبور الى الضفة الأخرى، فتتوالى الجهود للتنقيب عن شريك صوري. فيقيمون عقد القران شكليا، فمنهم من يقيم حفل الزفاف كذلك.
ويتم الاتفاق على مبلغ محدد ليتم الطلاق بعد الحصول على الوثائق ... انها تجارة ؟؟ بل أصبحت وسيلة لجني المال من طرف العديد من الشبان المغاربة المقيمين في الخارج، بينما يراها المقيمون في الداخل و سيلة للظفر بلقمة العيش في أروبا. وتزداد أرقام هذه التجارة خاصة مع مجئ العطلة الصيفية أو الأعياد الدينية.

بدأت القصة عندما تلقت كريمة دعوة لحضور حفل زفاف نجاة ، ابنة الجيران، و الذي كان له وقع الصاعقة عليها و على بنات الحي خاصة عند علمهم بأنها سوف تهاجر الى ايطاليا بعد عقد القران.
لم تكن نجاة لتخبر صديقاتها من بنات الجيران أنها عثرت على فرصة العمر. فكل شئ كانت تخطط له في صمت.
"شوفوا البنات علاش قادات" . بهذه الكلمات عبرت رجاء ، احدى صديقات كريمة و هن جالسات في الكراسي الأمامية لقاعة الحفلات حيث يقام زفاف نجاة على أحد الشبان المغاربة الذين يقيمون بايطاليا. و هو عامل بأحد المصانع.

و لم تتوانى الصديقات الثلاثة و من بينهم كريمة ، عن ابداء غيرتهن من العروس رغم أنها تزوجت زواجا أبيضا. و الكل يعلم بالأمر . ومع ذلك تصر العروس نجاة على أن تعلن زفافها للجميع و كأنها تخبرهم بأنها ذاهبة اليوم أو غدا لأروبا " ما فهمتش كيفاش غدي تبرز بوجهها احمر و هي عارفة راسها غدي تطلق ملي تمشي لايطاليا" تقول كريمة ، و قسمات و جهها تنم عن حالة من الاستغراب من جرأة نجاة و عدم خوفها من اقبالها على زواج مصلحة كهذا. ليست فيه ضمانات.
تقول رجاء،23 سنة ،و هي طالبة جامعية ، ان العروس نجاة التقت بالشاب الذي سيأخذها الى الضفة الأخرىفي احدى مقاهي الأنترنت، و طلبت منه بجرأة أن يتزوج بها مقابل مبلغ مالي يقدر بأربع ملايين سنتيم يحصل عليها بعد أن يتمم وثائق اقامتها . و عندها يتم الطلاق.
و يجتهد العديد من الشباب ذكورا و اناثا للحصول على صفقة الزواج الأبيض و لكن بأقل التكاليف. فيلجؤون أحيانا للزواج سواء من أجنبيات أو أجانب أو حتى مغاربة و مغربيات مقيمين بالخارج عبر الاعتماد أحيانا على أقاربهم أو على الأنترنت .

انتهت مراسيم زفاف نجاة، و افترق جمع بنات الجيران، كلهن عزم على أن تسرن على نفس منهاج نجاة علهن يظفرن بعريس ينقلهن من واقع يعتبرنه بئيسا، الى حلم طالما تمنين أن يعانقن من خلاله أحضان أروبا، مهما كانت الطرق، فكلها مشروعة بالنسبة لهن، بغض النظر عن نوعيتها. اقتنعت كريمة هي الأخرى بالفكرة و قررت أن تبدأ البحث عن صانع الأوراق، فكرة لم تدم طويلا، فسرعان ما انمحت نتيجة تملكها من هذه المغامرة. "كم كنت أتمنى أن أهاجرالى ألمانيا أو اسبانيا لكني خائفة من مغامرة الزواج الأبيض" هكذا قالت كريمة بعد أن تخلت عن فكرة الزواج الأبيض.
بعد مرور ثلاثة أشهر، على زفاف نجاة، هاهي ابنة الجيران حياة، صديقة كريمة، تمكنت من ايجاد فرصة زواج صوري والذهاب لاسبانيا، عن طريق عملية للتبادل وفرها لها أخوها المقيم هناك ."تزوجت حياة بصديق أخيها زواجا أبيضا ليس بمقابل مادي و لكن مقابل أن يتزوج أخوها بابنة عم صديقه و يأخدها الى اسبانيا . حينها تكتمل الصفقة " تقول كريمة في حرقة.وهي تتحسر على نفسها . فلم تتبقى من الصديقات الأربعة سوى هي و صديقة رابعة. مما ولد في نفسها الرغبة مجددا في البحث عن أي طريقة للحصول على زوج صوري" المارياج بلون هو الحل اللي بقى قداميباش نخوي الدرب حتى أنا" تضيف كريمة و قسمات وجهها تأكد أنها لن تعدل عن قرارها هذه المرة.
كثيرة هي الحالات التي يتحول فيها الزواج الأبيض الى زواج حقيقي كما حدث مع سعاد، فتاة في الخامسة و العشرين من عمرها سلكت مسلك باقي زميلاتها في العمل، فهاجرت الى اسبانيا عن طريق" المارياج بلون" الذي أصبح" ملونا" لأن الشاب الذي عقد قرانه عليها رفض طلاقها. "اتفقت مع شاب مغربي مقيم باسبانيا على أن تقترن شكليا" في مقابل مبلغ مالي يقدر بستين ألف درهم مقابل أن يتم الطلاق بعد حصولي على وثائق الاقامة بالخارج، و بعد أن أقمنا حفلا صوريا للزفاف و حصلت على الوثائق مقابل المبلغ المتفق عليه." و بعد أن ذهبت الى اسبانيا رفض طلاقي . فأعاد الي المال الذي أخذه مني و أخبرني أنه يريدني زوجة حقيقية لأنه أعجب بي، فأقمنا حفل زفاف في المغرب بعد عودتنا اليه لتثبيت الزواج" تحكي لنا سعاد تفاصيل ما وقع و هي تضحك. فهي لحد اليوم لم تصدق ما حصل.
بعد أن باءت تجارب كريمة في البحث عن زوج صوري ينقلها الى الضفة الأخرى رغم ساعات من" الشات" في مقاهي الأنترنت و رغم نشرها الخبر وسط زملاء أخيها الذي عوض أن يغير من تفكيرها الخاطئ أخذ هو الآخر يشجعها على ماهي عليه، لم تجد كريمة مطلبها و لم يحقق الأنترنت مرأبها."ما كانش عندي الزهر ، شحال و أنا كنقلب على شي واحد مغربي أو أجنبي يتزوج بي و مالقيتش" تتحسر كريمة على طول انتظارها للعريس الأبيض القادم من بلاد الغرب.
لكن بالمقابل نجحت الصديقة الرابعة و ابنة جيران كريمة اللحاق بالأخريات نجاة و حياة فقد استطاعت أن تضغط على صديقتها حياة بأن تقنع أخاها بأن يتزوج بها بمقابل مادي ليس بالكبير ليأخذها معه الى اسبانيا، و هو نفسهالذي جاء بأخته حياة لاسبانيا في مقابل صفقة تبادل. بعد اتمام اجراءات طلاق أخ حياة، بادر في الزواج بالصديقة الثالثة لكريمة.

انهارت كريمة بالبكاء عندما علمت أن الحظ حالفت صديقتها الثالثة، و ستلحق بالأخريات الى الضفة الأخرى. فبقاؤها وحيدة وسط "الدرب" لم تستسغه.و رغم أنها ميسورة الحال هي على استعداد أن تدفع مبلغا كبيرا مقابل الهجرة بهذه الطريقة الآمنة في نظرها " أنا أفضل أن أدفع أي مبلغ للزواج بشخص زواجا صوريا، انه أأمن لي من شراء عقد عمل، قد أكتشف أنه مزور فيما بعد أو ليست فيه ضمانات كافية ، و قد لا يفور لي الاقامة الدائمة". هكذا بررت كريمة رغبتها الكبيرة في الهجرة عن طريق الزواج الأبيض.

طفت اذن ظاهرة الزواج الأبيض على السطح، كبديل عن الهجرة السرية في نظر الكثيرين. و من بين الممارسات التي تصب في هذا الاتجاه، التجارة في الأعراض بعبارة أخرى. هناك من يفضل المتاجرة في ابنته للحصول على صفقات مربحة كأن يجعلها تتزوج مرة و اثنان و ثلاثة .........و عشرة، ليحصل هو على أموال مقابل أن توفر الأوراق للآخرين.
تنوعت الطرق الذي يختارها الشباب المغاربة ذكورا و اناثا لتحقيق الزواج الأبيض لكن النتيجة تظل واحدة، هي الحصول على فرصة يعتبرها البعض ذهبية للعيش في الضفة الأخرى.
بعد بحث مضي اسطاعت كريمة أخيرا الغثور على شريك حياة مزور ، مع ايقاف التنفيذ، و يتعلق الأمر بابن عم احدى زميلاتها أيام الدراسة. و هو شاب مقيم في ايطاليا منذ خمسة أعوام، و يعمل كسائق "أحسست بفرحة عارمة عندما أخبرتني صديقتي بأن لديها ابن عم قاطن بايطاليا و بامكانه قبول عرض الزواج الصوري لينقلني الى هناك" تحكي كريمة عن فرحتها.و هي تستعد نفسيا و ماديا لخوض غمار الهجرة و الزواج و لو بهذه الطريقة " دفعت مبلغ سبعة ملايين سنتيم حتى يوافق الزوج المنتظر على الزواج بي" تضيف كريمة بلغة بدأ نوع من الحزن يخيم عليها.

بعد عملية مزايدة حول المبلغ الذي سيأخذه الزوج تم الاتفاق على الحصة المذكورة.
ظنت كريمة أن أبواب الفرج فتحت لها وأن حلمها بالهجرة سوف يتحقق عما قريب، فقررت أن تقيم حفلا للزفاف بعض أفراد العائلة فقط، "لم يكن الهدف من إقامة حفل زفاف هو الحفل بعينه، بقدر ما كنت أسعى أن يعرف الجميع أنني سوف أغادر أرض الوطن" تتحدث كريمة بعد أن أخدت تنفسا عميقا ينم على أنها تخفي الكثير في قلبها، تستطرد قائلة:" بعد مرور ثلاثة أيام على زواجي غادر الزوج الصوري المغرب وهو يؤكد لي أن الفقرة التي ستأخذها عملية إعداد الوثائق للحاق به لن تكون طويلة".

غادر الزوج وغادرت معه أحلام كريمة ، مر شهر، اثنان، ثلاثة... وبدأت المدة تطول والشكوك تتسرب إلى كريمة.في كل مرة كانت تتل به لتستعلم سيرورة إعداد الأوراق، كان يقدم لها حجة مختلفة. ومع مرور الأيام تأكدت أنه لا ولن يفي بالاتفاق الذي كان بينهما، خاصة بعد أن علمت من أحد أقربائها يسكن بنفس المدينة التي يقطن فيها الزوج الصوري، أن هدا الأخير لن يقم بأي إجراء لإعداد أوراق كريمة."كانت صدمة مميتة بالنسبة إلي، لم يخطر ببالي يوما أن الأمور ستصير هكذا" قالت هده العبارات وبدأ الدموع تنهمر كالسيل من مقلتيها.

لم تقف القصة عند هدا الحد، بل بدا الزوج يصارح كريمة بأنه لن يفعل شيئا إدا لم تقبل أن تزيده أربعة ملايين سنتيم أخرى ، وإن رفضت لن يطلقها. "بغى يخليني ما أنا مطلقة ما أنا عروس" لم يكتف بدلك بل طلب منها أن تعطيه نفس المبلغ إن أرادت أن يطلقها. ابتزاز واضح وقعت فيه كريمة فلم ينفعها لا تدخل الأقارب ولا الأصدقاء للخروج من ورطة الزواج الأبيض.
إن قرار العديد من الفتيات والشباب الدخول في مغامرة الزواج لا يكلف الكثيرين النظر للخلف والتمسك بأخلاقهم ودينهم، فلا يأبهون لمعرفة عن كانت هده الخطوة مسموح بها سواء في نظر الدين والأخلاق المغربية.حيث يعتبر الزواج الأبيض في نظر الدين الإسلامي زواجا باطلا كما يؤكد دلك رشيد أبو معاوية خريج دار القرآن" الزواج الأبيض باطل لأنه يفتقر لشروط الزواج الحقيقي، ومن بينها الإعلان كما أن الزواج الشرعي أو المعتبر شرعا يجب أن يكون بنية الدوام، بينما الزواج الصوري لا يتوفر على هدا الشرط، وهو بدلك يشبه على هدا الحال زواج المتعة الذي حرمه الكتاب والسنة".

فنية الأطراف المثقفة على عقد زواج أبيض يكون غرضها مادي محض على عكس الزواج الشرعي حيث يرى الدكتور الحسن بلعيد أستاذ الدراسات الإسلامية ، "أن الزواج الصوري تغيب فيه نية الإحصان والعفاف وتكثير سواد الأمة".
وغدا كان "المارياج بلونش" من الناحية القانونية، يعتبر زواجا صحيحا ، فإن المشاكل التي تقع فيها الكثيرات تأتي عندما يرفض الزوج أو الزوجة أن يفي بالاتفاق المسبق ويبدأ بالابتزاز، حينها يدخل الشخص الضحية في متاهة القضاء للحصول على طلاق يخلصه من صفقة فاشلة.
"ما بني على باطل فهو باطل" هذه هي العبارات الأخيرة التي لا زالت كريمة ترددها وهي في انتظار أن ينظر القضاء في وضعيتها ويخلصها من ويلات وتبعات زواج كانت تعتبره حقا فإذا به ينقلب باطلا.