تحقيق: فوزية عزاب
مع زيادة التقدم العلمي والتكنولوجي بدأت تقنيات التلفزيون تتغير وتتطور بوثيرة سريعة من التسجيل، للبث الحي المباشر إلى نوع جديد يصطلح عليه "تلفزيون الواقع" والذي ظهر في أول مرة بالولايات المتحدة الأمريكية سنة1973 وتجسد آنذاك في برنامج أطلق عليه اسم "العائلة الأمريكية" كونه تناول مواضيع متعلقة بالأسرة والمجتمع وكسر كل الطابوهات في تلك الفترة. وسمي بتلفزيون الواقع لكونه يشرك المشاهد في حياة مجموعة من فئات المجتمع في بيئة أو مكان محدد ويتم نقل حركاتهم وحياتهم اليومية بشكل مباشر للمشاهد.
أما عربيا فقد ظهر في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وخلف وراءه ولازال، انتقادات كثيرة لطريقة تناوله للبرامج، مما اعتبره البعض نوعا من تجاهل الأسس الأخلاقية التي يستمد معظم أفراد الجمهور هوياتهم منها، وبالتالي بعده عن واقع المجتمع العربي بكل تجلياته.
فهل يمثل تلفزيون الواقع بالفعل واقع المجتمع العربي؟"عين الإمارات" حاولت الإجابة عن هذا السؤال من خلال استعراض أراء المختصين.
تجربة إعلامية تكسر الطابوهات
يعتبر الإعلامي طارق الشميري في حديث ل"عين الإمارات" -من خلال تجربته كمعد ومقدم للبرامج في قناة "المجد" أن تلفزيون الواقع يحتاج إلى جهد وإعداد وترتيب كبير .. حيث أنه يعتمد على العفوية في التصوير .. والكاميرات المخصصة للتصوير تكون في الأغلب في حالة تسجيل لذلك يحتاج البرنامج لأكثر من كاميرا ولأكثر من مصور ولعدد كبير من المايكرفونات اللاسلكية.. وكذلك لعدد من الفنيين المتابعين لعملية الإنتاج والإضاءة وتترك الأمور تجري بكل عفوية بدون أي تدخل خارجي ليتم رصد كافة الأحداث وردات الفعل تجاه البرنامج المقدم من المعد أو إدارة البرنامج بما في ذلك حالات الفرح والحزن .. وغيرها.
فعادة خلال الإعداد لمثل هذه البرامج -يضيف الشميري- يعتمد المعد على خلق نوع من المسابقات أو البرامج الداخلية التي تثير التنافس أو تثير قضية معينة كي تكون هناك آراء مختلفة تضفي روح التشويق لقضية وحدث يُصنع من نسيج الواقع بين المشاركين .. وإلا سيكون إيقاع البرنامج باردا تماما ، في بعض البرامج أما البعض الآخر .. فتتعمد إدارة البرنامج الطلب من المشاركين تصنع هذا الشيء أو إثارته .. عكس البرامج التي تأتي عفوية تماما. مما يجعلنا نتسائل هل بالفعل جميع برامج الواقع هي واقع عفوي أم مصطنع يسير وفق مخطط إدارة البرنامج ويخرج من سياقه المتعارف عليه عالميا؟."أعتقد أن برامج الواقع التي تبتعد عن الإثارة الزائدة للتلفزيون التجاري وتتجذر في الثقافة المحلية، وليس المستوردة، تساهم في تشجيع مجتمعات صحيحة في العالم العربي المعاصر".
ويرى مختصون أن ظاهرة تلفزيون الواقع جاءت كرد فعل لسنوات من الحجب والكتمان عاشها المواطن العربي جعلته في تعطش للمعرفة حتى لو تطلب الأمر اختراق الطابوهات. وفي السياق ذاته،
يرى الإعلامي نور الدين اليوسف-مقدم برامج بقناتي دبي،وسما دبي- "أن تلفزيون الواقع في أهدافه بعيدة المدى يتطلع إلى تقديم نموذج للشاب العربي، فبرنامج"ستار أكاديمي" مثلا أعطى أصواتا عربيا جميلة ونسخة بعد الأخرى يتحسن أداء البرنامج، لأنه يشتغل على الاستمرارية شأنه شأن باقي برامج الواقع التي تعرض على القنوات العربية، وهذا ما يجعل أغلبها تحقق نسب مشاهدة كبيرة رغم الكم الكبير من الانتقادات الموجهة لها".
ويؤكد اليوسف على أن فاعلية هذه البرامج تكمن في أخد المتلقي ما يناسب مجتمعاتنا العربية قبل أن نحكم عليها بالسلبي أو الإيجابي، إذ يجب أن تكون للمشاهدين قناعات راسخة تتغير إما للأسوء أو للأحسن حسب المجتمع والبيئة التي نشئ فيها الشخص، وبالتالي يجب تثقيف المراهقين والأطفال كونهم أكثر الفئات استهدافا من قبل هذه البرامج قبل جعلهم يشاهدونها، حتى تكون لديهم مناعة وقابلية للتحكم فيما يتلقونه من خلالها.
غزو إعلامي أجنبي
يعود السبب في عدم رضا مجموعة من المشاهدين من جهة، والباحثين والمختصين من جهة أخرى على برامج الواقع في العالم العربي حول الأسلوب الذي تتعامل فيه مع القيم والممارسات الاجتماعية والثقافية، وليس حول شكل هذه البرامج بحد ذاته، هذا ما جعل الدكتور ياس خضير البياتي، أستاذ بكلية المعلومات والإعلام والعلاقات العامة بجامعة عجمان يحذر في دراسة علمية - والتي أعدها تحت عنوان "الغزو الإعلامي والانحراف الاجتماعي"- من الأضرار البالغة التي قد تصيب العالم العربي جراء انتشار برامج "تليفزيون الواقع" المقتبسة من الغرب على القنوات الفضائية العربية والتي تجمع شبابا وفتيات في مكان واحد، وأكد البياتي "على ضرورة خلق إستراتيجية عربية للتصدي لما اعتبره "غزوا أجنبيا" للإعلام العربي من خلال الفضائيات".
فهو يعتبر "أن القاسم المشترك لبرامج القنوات الفضائية العربية هو المادة الترفيهية، وأفلام الجريمة والعنف والرعب والجنس، "أي أن ثقافة الصورة تطغى عليها أكثر"، مما قد يؤدي إلى "ظواهرعدة مثل الاغتراب، والقلق، وإثارة الغريزة، والفردية، والعدوانية، ودافعية الانحراف، وسلطة المال والنساء، وحب الاستهلاك، والأنانية، والتمرد...".
وحول المشكلات الاجتماعية التي قد تنشأ بسبب تلك البرامج يقول المستشار الأسري الدكتور جاسم اليعقوبي إن "من شأنها أن تسبب الاضطراب الاجتماعي، وعدم الاستقرار في العلاقات العامة الاجتماعية، وتنمية الفردية والروح الاستهلاكية، والهروب من التصدي لواقع الحياة، والاستسلام له، وإضعاف الروابط الأسرية وقيمها، فهي نموذج غير نافع وغير فعال لمجتمعاتنا العربية"، ويؤكد اليعقوبي على ضرورة إعطاء أهمية أكبر بمواضيع تهم المجتمع بشكل أكبر عوض هذه "التفاهات"،"لقد عرض علي من قبل إحدى القنوات العربية أن أشارك في برنامج خاص باليوم العالمي لمكافحة المخدرات، فكنت سعيدا لأن الموضوع مهم ويخدم الصالح العام لكنني عندما سألت معد البرنامج عن المدة الزمنية المخصصة له فاجأني قائلا: 6 دقائق، صُدمت حينها، وكان أبلغ رد على طلبه الرفض القاطع، فستُ دقائق لاتكفي لمناقشة موضوع مهم كالمخدرات التي تهدم بيوتنا وتحكم على شبابنا بالموت البطيء، أليس من الأهم أن نعطيه أكثر من 6 دقائق ولما لا نعد برنامج واقع يعالج مثل هذه الظاهرة الخصيرة؟".
مفاهيم مغلوطة
ويذهب بعض المشاهدين إلى الترحيب بفكرة مشاهدة "برامج واقع" كونها تعكس مختلف فئات المجتمع بتتبع حركاتهم وسكناتهم، تقول سناء الأحض "إن برنامج الواقع "شاعر المليون" يقدم نظرات معمقة مثيرة للإعجاب حيث أنه يُستخدَم للترويج لمكوّن هام من الثقافة العربية التقليدية، ألا وهو الشعر. نفس الشيء لباقي برامج الواقع، فهي تشجع المغامرات في أحضان الطبيعة والثقافة الدينية وتماسك المجتمع". الأمر يختلف تماما بالنسبة لأحمد فهو يراها "برامج تحمل توجهات سياسية وفكرية ملغومة، تريد تدمير الواقع العربي، وثقافة المجتمع وقيمه".فإذا أخذنا على سبيل المثال برنامج "قسمة ونصيب" يضيف أحمد، "فهو يناقض خصوصية الرجل الشرقي الرافضة للمجاهرة باسم الحبيبة والتغزل فيها على الملأ، ففي طياته ابتذال لقدسية الحب".
ورغم ما أثير وما يثار حول تلفزيون الواقع سيظل هذا الأخير في نظر منتجيه مسخرا لخدمة المجتمع بكل فئاته وطبقاته والتي غالبا ما تكون معظمها نقطة انطلاق لمواهب خلاّقة في مجال واسع من الفنون الأدائية مثل الرقص والتأليف الموسيقي والغناء وإلقاء الشعر والإنشاء وغيرها.