اللغة العربية هي إحدى اللغات العالمية الخمس، وتتجلى عظمتها في أنها
لغة القرآن الكريم التي قال فيها عز وجل:"إنَّا أنزلناهُ قرآناً عربياً لقومٍ
يعقلون" وقوله تعالى"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". فتعهد
الخالق عز وجل بالحفاظ على القرأن الكريم وبالتالي الحفاظ على لغتنا العربية لغة
القرآن، لا يعني أن نركن إلى ذلك مطمئنين دون أن نسعى للحفاظ على لغتنا اللأم أمام
ما باتنا نشهده من غزو كبير يستهدف لغتنا العربية ويهددها وخاصة الغزو الداخلي في
عقر دارنا سواء من الآخرين أو منَّا.
وعندما
نتحدث عن لغتنا العربية وحمايتها لا بد أن نعول على النخبة المثقفة من أبنائنا
ولكننا نصاب بالصدمة عندما نجد الكثير من هؤلاء باتوا يرطنون باللغة الانجليزية
حتى في المنتديات الخاصة مبتعدين عن لغتهم الأم، والبعض الآخر بات يجيد الأوردو
أكثر من إجادته للغة العربية..والبعض الآخر يمنع أبنائه من التكلم بغير الإنجليزية
في البيت حتى يتقنوها ولا همَّ أن ينسوا لغتهم.
وهذا ما
حاولنا استقصاءه من خلال الشرائح الاجتماعية التي التقتها "عين
الإمارات" في التحقيق التالي.
خطر اللهجات العامية
جاسم
اليعقوبي\ مستشار أسري
تنتشر العامية
انتشارا صارخا بين أبناء اللغة العربية، وتتنوع هذه العاميات، لتهدد اللغة الفصيحة
الأم، والتي تجعلها في مستوى ثان من التجسيد اللغوي، وتمنحها مكانة أقل في التعبير
الحياتي بين الناس. فالدراسات
التربوية التي خُصصت لمعرفة أسباب الضعف اللغوي لدى الناشئة، أظهرت أن اللغة العامية
هي المتهمة الأولى في هذا الضعف. فالأسرة تستخدم اللهجة العامية في الحياة اليومية،
ولا تشجع أبناءها على استخدام الفصحى، والعامية
هي لغة السواد الأعظم في مجتمعاتنا. أما الفصحى فتقتصر على الطبقة المتعلمة، كما
أن الطامة الكبرى هو الحديث بلغات أخرى غير العامية خاصة ونحن في بلد تتعدد فيها
الجنسيات واللهجات، فأصبح من لا يتكلم اللغة الأردية أو الانجليزية لا يستطيع التواصل
مع محيطه.
الأمر
نفسه ينطبق على الأطفال، ففي البيت تكلمه الخادمة بالانجليزية أو الأردية وفي
المدرسة يجد خليطا من اللهجات العربية من المحيط إلى الخليج لتصبح اللغة العربية
دخيلة عليه ولاتصلح إلى في حصة مادة اللغة العربية.
احمد\ مدرس لغة عربية
رغم
كل هذه الظروف التي رافقت اللهجة المحلية ومبرراتها، فإنها لا يمكن أن تحلَّ - ولا
بشكلٍ من الأشكالِ - مكان اللغة الأم، لأن اللهجات أشبه بفروع الشجرة التي تنتهي بالشجرة
الأصلية، وهي اللغة الأم التي يجب أن نحتفظ بها ونصونها، لا أن ندعو إلى إلغائِها كما
يحلو للبعض أن يتفوه ، ففي الوقت الذي نلاحظ فيه تمسك الأوروبي الشديد بلغته الأم رغم
تعلمه لغات عدة، نجد أن البعض من العربِ يدعو إلى إلغائِها وجعل اللهجة العامية مكانها.
ومما زاد الوضع سوءاً هو استخدام اللهجة العامية في دبلجة المسلسلات الأجنبية المستوردة،
مثل المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية والمسلسلات الأخرى المدبلجة باللهجة
اللبنانية أو المصرية،أو الخليجية وما إلى ذلك من لهجاتٍ.
الإعلام وآثار العولمة
لعل أهم أثر من آثار
العولمة هو ذلك المتفق عليه بين أغلب المفكرين والمنظرين السياسيين والتربويين،
بأن العولمة تفرض سياقا ثقافيا واحدا، وتحارب التعددية الثقافية، ومنها اللغوية
بطبيعة الحال، ومحاربة العولمة للتعدد الثقافي- اللغوي هو حتمي، إذ إن القوة
السياسية والاقتصادية تفرض بالمؤكد واقعا ثقافيا ولغويا تابعا ومجسدا، شئنا أم
أبينا، فنحن عندما نكون الأضعف سنكون حتما تابعين، مستهلكين غير منتجين، وإن حافظت
العولمة على بعض التنوع الثقافي اللغوي فهو لا يتعدى أن يكون هامشيا ومحصورا لا
ينافس اللغة والمنتج والثقافة التي يسوقها أصحاب العولمة ومصدروها، وأعتقد أن الحل
الأمثل هو.اعتماد الدولة اللغة العربية في مراسلاتها الخارجية والداخلية، وإلزام
سفرائها والمتحدثين باسمها اللغة الفصيحة في اللقاءات الدولية والمؤتمرات الصحفية
أو التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات التجارية.
نور
الدين الياجزي \إعلامي ومقدم برامج
بحكم التوسّع في وسائل الإعلام وتعدّد قنواته
ومنابره ووسائطه، ونظراً إلى التأثير العميق والبالغ الذي يمارسه الإعلام في اللغة،
وفي الحياة والمجتمع بصورة عامة، فإن العلاقة بين اللغة العربية والإعلام أضحت تشكل
ظاهرة لغوية جديرة بالتأمل، وهي ذات مظهرين اثنين :
أولهما
أن اللغة العربية انتشرت وتوسَّع نطاق امتدادها وإشعاعها إلى أبعد المدى، بحيث يمكن
القول إن العربية لم تعرف هذا الانتشار في أي مرحلة من التاريخ. وهذا مظهر إيجابي،
باعتبار أن مكانة اللغة العربية قد تعززت كما لم يسبق من قبل، وأن الإقبال عليها زاد
بدرجات فائقة، وأنها أصبحت لغة عالمية بالمعنى الواسع للكلمة.
ثانيهما
ويتمثَّل في شيوع الخطأ في اللغة، على ألسنة الناطقين بها، والتداول الواسع للأقيسة
والتراكيب والصيغ والأساليب التي لا تمتّ بصلة إلى الفصحى، والتي تفرض نفسها على الحياة
الثقافية والأدبية والإعلامية، فيقتدى بها ويُنسج على منوالها، على حساب الفصحى التي
تتوارى وتنعزل إلاَّ في حالات استثنائية. وبذلك تصبح اللغة الهجينة هي القاعدة، واللغة
الفصيحة هي الاستثناء. وهذا مظهر سلبي للظاهرة.
التعليم وغزو اللغات الأجنبية
الدكتور ياسر حيدر \أستاذ بجامعة عجمان
لقد شكلت اللغات الأخرى التي يتعلمها الطفل وخاصة في المراحل العمرية
الأولى من الصف الأول الأساسي وحتى الصف الرابع الأساسي خطرا حقيقيا على تعلم
اللغة الأم وإتقانها، والطالب بهذا التلقي للغة جديدة، وتداخل نظامين لغويين في
عقله وتفكيره، وما يفرضه ذلك من اختلاف في التعامل الكتابي لكل لغة وخاصة فيما
يتصل باللغة العربية واللغة الإنجليزية على سبيل المثال، سيجعل الطالب متأثرا
سلبيا في إتقان اللغتين معا، ما يولد جيلا ضعيفا لغويا في المهارات الأربع التي
تطمح كل لغة أن توجدها عند المتعاملين فيها (القراءة والكتابة والمحادثة
والاستماع)، ويزداد هذا الخطر كلما تقدم الطالب في مراحله التعليمية، لتحل اللغات
الأجنبية محل اللغة العربية في التعليم الجامعي، فتنبت الصلة بين المتعلم ولغته
القومية، ويصبح تابعا ثقافيا وحضاريا لغيره.
لمياء المدفعي\ مديرة مدرسة أبو موسى
الأشعري
انعكست
المعطيات سلباً على مستوى الاهتمام التعليمي والأسري والمجتمعي بلغة الأمة، فقد أصبحت
كثير من الأسر تبحث لأبنائها عن المدارس التي تهتم بتعليم اللغة الإنجليزية دون اكتراث
بتعليم اللغة العربية، بل أن أسعار المدارس الآن تكاد تتناسب طرداً مع مستوى الأداء
باللغة الإنجليزية وحجة الأهل في ذلك أن السوق هو الذي يفرض هذا التوجه وبالفعل تركز
إعلانات الوظائف الحكومية أو الخاصة على الاهتمام باللغة الإنجليزية·
ولكن
ذلك لم يؤد إلى وجود طالب متقدم أو متمرس، فقد أثبتت أحدث الدراسات العلمية أن التحصيل
العلمي السليم بكافة مراحل الدراسة لا يتحقق بنسبة سليمة وممتازة إلا من خلال اللغة
القومية وعندما تنظر إلى جميع الدول المتقدمة نجدها تقوم بالتدريس بلغتها الوطنية.
حماية اللغة العربية
الدكتور علي الحمادي\ نائب رئيس مجلس إدارة جمعية حماية اللغة العربية
لقد
بذلت الدولة جهوداً كبيرة بهدف دعم اللغة العربية، من بينها سبع مبادرات لصاحب السمو
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تصب جميعها
في مجال حفظ ودعم اللغة العربية، ومن بين هذه المبادرات تطوير التعليم، وتحفيز الجهات
المعنية بالاهتمام باللغة العربية وتأصيلها في أجيال المستقبل.
أما
على صعيد جمعية حماية اللغة العربية فهدفنا خدمة اللغة من خلال غرس الاعتزاز بها في
نفوس أبنائها ، والتوعية بأهميتها في نفوسهم باعتبارها لغة دينهم، بالإضافة إلى حث
الهيئات والمؤسسات العامة والخاصة على تعزيز استخدام اللغة العربية وجعلها الأساس في
التعامل والتخاطب والإعلان والعمل على تيسير تعليمها للناشئة ولغير الناطقين بها، وتنظيم
المحاضرات والندوات وحلقات البحث للنهوض بها·
إلا
أنه وبالرغم من كل هذه الجهود المبدولة مازالت الجمعية حتى الآن تملك مقراً واحداً
في الشارقة فقط بدلاً من أن تمتد إلى بقية مدن الدولة وتحرك النشاط أفقياً وعمودياً
من أجل هذه القضية السامية والضرورية والتي لا أعتبرها فقط قضية لغة وثقافة وإنما هي
أيضاً قضية أمن قومي بالدرجة الأولى لأنه يحافظ على وجود وتماسك المجتمع وعلى هوية
وحدود الوطن وانتماءه العربي والإسلامي·