يشهد الإدمان على المخدرات تطوراً كبيراً وغريباً في آلياته وأنماطه،
خصوصاً تعاطي الحبوب المخدرة أو المغشوشة، التي تعتبر الأخطر في مراحل وطرق الإدمان
مما يتسبب في ضياع العديد من الشباب وهم في ربيع العمر، ولعل ما يزيد من انتشار ظاهرة
تهريب وتداول الأدوية المخدرة في الإمارات موقعها الجغرافي بين دول منشأ وعبور واستهلاك المخدرات كما
أن أهميتها الاقتصادية في المنطقة وقربها من دول والعالم عبر شبكة مواصلات متقدمة، جعلها هدفا
دائماً لمحاولات تهريب متكررة لدخول أدوية وحبوب مخدرة، خاصة تلك القادمة من دول آسيا.
أكد الدكتور حاتم فؤاد -ممثل منظمة الأمم المتحدة، رئيس المكتب
شبه الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي، المعني بالمخدرات والجريمة في دولة الإمارات-
في إحدى تصريحاته "أن معظم الحبوب والأدوية المهربة تحتوي على نسب عالية من المواد
المخدرة من دون علم السلطات، كما أن تطور تركيبة ونوعية المواد المخدرة وعدم إدراج
تلك الحبوب ضمن قوائم الأدوية المحتوية على مخدرات يحول دون السيطرة عليها عبر المنافذ
الحدودية بشكل كبير، مؤكداً تعرض المنطقة لعمليات تهريب واسعة لمثل هذه الحبوب".
تعددت الأسماء
تعود أسباب الانتشار الواسع للأدوية المخدرة إلى الاستخدام المفرط في
الوصفات الطبية أو العقاقير، الأمر الذي صعد من وتيرة الطلب المتزايد على الحبوب المسكنة
والمـهدئة، وأسهم في خلق سوق سوداء لدوائي"الترامادول" و"الكابتاجون"
المغشـوشين المصـنعين من دون ترخـيص في دول آسيوية،واللذان يحتويان على نسب عالية
من المواد المخدرة ويتم ترويجهما بأسماء حركية، بجهل أو بعلم من المتعاطين أن هذه الأدوية
قد تؤدي إلى الإدمان.
ويعد "الترامادول" عقارا طبيعيا مصنّعا وفق شروط السلامة الدوائية
ومراقَب ويباع في الصيدليات ويستخدم بصورة آمنة محلياً وعالمياً، إلا أن البعض
يشتري هذا العقار عن طريق السوق السوداء من دون أن يعرف أن مواصفاته مختلفة و نسب مادته
الفعالة متغيرة، ما يجعله مصنفاً على أنه مؤثر عقلي.
أما النوع الثاني"عقار الكابتاجون" فقد توقف إنتاجه الطبي عالمياً منذ ثمانينات القرن
الماضي، إلا أنه لم يختفي من السوق السوداء
وضل رائجا بمواصفات مختلفة وتحت المسمى نفسه.
وحسب المركز الوطني للتأهيل فإن بعض هذه الحبوب، تحتوى على 11 مادة ليس من بينها
المادة الفعالة لاسم العقار الأصلي المدرج تحتها. حيث أكد المدير العام للمركز الدكتور
حمد عبدالله الغافري، في تصريح سابق "أن تناول حبوب مخدرة مغشوشة، خصوصاً من قبل
صغار السن، قد يؤدي إلى انتكاسات صحية مفاجئة وخطرة، على اعتبار أن تلك الحبوب تصنع
بطرق بدائية ودون رقابة".
كما أن هناك حبوب أخرى مغشوشة
تتفاوت نسب المواد المخدرة بها، وتباع في السوق السوداء وتحمل أسماء حركية خاصة بين
الشباب مثل "أبوصليبة"، و"الجرد"، و"الأبيض"، و"لكزس"،
و"أبوهلال"، و"أبوهليل"، و"أبوهلالين"، و"في إكس
آر"، و"بيرا دبي"، و"قصدير رايح جاي" وهم يجهلون خطر استخدام هذه الحبوب على الجهاز العصبي.
وهم الأدوية المخدرة
الدكتور محمد عابد استشاري الطب النفسي والعصبي في مستشفى النور: "أي عقار طبي يأخذ حسب الجرعة الموصوفة
فالشئ إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده إذن يجب التأكيد على الالتزام بالجرعة المقننة
التي يحتاجها الجسم. لأن أي زيادة في الجرعة قد تؤدي إلى تسمم أو فقدان وعي أو
أحيانا توقف التنفس. الأدوية التي نصرفها للمرضى يراعى فيها الجهاز الهضمي والعصبي
لأن الأخصائي النفسي يكون على دراية بجميع مؤتراث أدوية العلاج النفسي على سائر
الجسم خصوصا الجهاز العصبي وأقصد هنا الدماغ كونه المتحكم الرئيسي في الجسم"
.
ويضيف الدكتور عابد "أن المفهوم الخاطئ
للحرية وغياب الرقابة وتوفر المال أو
الفقر والفراغ وتزايد مواقع التعاطي وأصدقاء السوء والمشاكل الاجتماعية كلها أسباب
تجعل الشباب ينساق في هذا المنعطف الخطير، فالانعكاسات الصحية لمتناولي المخدرات تظهر
في الاضطرابات السلوكية المتمثلة في الهروب والخروج المتكرر من المنزل، والانعزال والسلوك
العصبي وشدة الإثارة وقلة الشهية وافتعال المشكلات".
وأشارت بعض الدراسات إلى أن
تعاطي الشباب حبوبا منشطة مثلا، يكون بهدف تقليل ساعات النوم، ضنا منهم أنهم قادرين على الزيادة في عدد ساعات
التركيز والدراسة، ويتزايد الوهم بتناول جرعات أكبر من المنشطات التي تتوافر في الوصفات
الطبية، وهكذا تكون البداية التي تدفع الشاب إلى تناول أدوية أخرى ليكتشف
بعدها أنها مجرد حبوب مخدرة معظمها مغشوش.
الصيدلية ودور الوسيط
يتوفر جميع الأطباء المختصين
بعلاج الأعصاب والأمراض النفسية وأمراض السرطان والمفاصل وغيرهم على سجل خاص لصرف الوصفات
الطبية، خصوصاً الأدوية المخدرة، نفس النظام يطبق داخل الصيدليات التي يجب أن
تتوفر تقرير بالوصفات التي تم صرفها، خصوصاً التي تحتوي على مواد مخدرة، يقول عبد
الله بيطار دكتور صيدلي في تصريح لـ"عين الإمارات" "إن الأدوية
المخدرة أو التي يتم استخدامها كمخدرات لا تقدم للمرضى إلا في وصفات خاصة ولها معايير
معينة فإذا كان الطبيب صاحب الوصفة عاما، فإن الوصفة لا تتعدى 3 أيام والأخصائي 14
يوما أما الاستشاري فوصفته يجب ألا تتجاوز 28 يوما. وتكون هذه الوصفات مقيدة في 3
ايام وتحتوي على اسم المريض ورقم هاتفه، واسم ورقم وختم الدكتور.
وتقوم هيئة الصحة يضيف
الدكتور بتوحيد نماذج الوصفات المراقبة، بحيث تُكتب جميع هذه الأدوية على وصفة لها
متطلبات مختلفة عن الوصفة العادية، إذ يتم مراجعة جميع السجلات الخاصة بكل منشأة
ويرسل تقرير شامل للهيئة بكميات الأدوية التي صرفت وتقوم
الهيئة بزايات مفاجئة للصيدلية للمراقبة كما يتم مراجعة الوصفات ومقارنتها بالسجلات
والرصيد الحالي أو الفعلي لهذه الأدوية. وإذا تبثث المخالفة يتم معاقبة المنشأة إما بتوجيه إنذار إلى الصيدلي
المسؤول أو سحب ترخيص الصيدلية وقد تصل العقوبة إلى إغلاق الصيدلية وسحب الرخصة
نهائيا".
ويُرجع العديد من مهنيي القطاع حدوث تجاوزات من قبل بعض الصيادلة للحصول على دخل إضافي، كون راتب الصيدلي
في الصيدليات العادية يراوح بين 8000 و10 آلاف درهم، وفي الصيدليات الكبرى لا يتجاوز
13 ألف درهم، فهم يعتبرونها رواتب غير
كافية لتغطية نفقات المعيشة، الأمر الذي يدفعهم إلى بيع الأدوية سراً لتحقيق دخل إضافي.
تحركات الأجهزة الرقابية
تتزايد المشاكل التي يسببها نشاط الحاويات سواء العابرة أو المستقرة في
دولة الإمارات والخليج مما يصعب تفتيشها والسيطرة
عليها من طرف الجهات الأمنية، حتى يتم
التأكد من خلوها من المواد المخدرة
وبهدف التصدي لظاهرة تداول العقاقير المخدرة وتهريب الأدوية وقعت الهيئة الاتحادية للجمارك نوفمبر الماضي مذكرة
تفاهم مع وزارة الصحة تتضمن التعاون والتنسيق
بين الطرفين في مجالات عدة خاصة تلك المتعلقة بالاستراتيجيات والسياسات والخطط والتشريعات
الاقتصادية والصحية الجمركية، وتنص المذكرة على تبادل المشورة والدراسات بين الطرفين
حول الاستراتيجيات والسياسات والخطط والتشريعات المتعلقة بالمجالات الصحية والجمركية
المشتركة لاسيما مكافحة الغش وتهريب الأدوية ومكافحة الاتجار غير المشروع للتبغ والرقابة
على استيرادها وتصدريها. إضافة إلى تبادل المعلومات والبيانات ذات العلاقة المشتركة
والإحصائيات بين الهيئة الاتحادية للجمارك ووزارة الصحة.